سورة محمد - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (33)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} لما بين حال الكفار أمر المؤمنين بلزوم الطاعة في أوامره والرسول في سننه. {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ} أي حسناتكم بالمعاصي، قاله الحسن.
وقال الزهري: بالكبائر. ابن جريج: بالرياء والسمعة.
وقال مقاتل والثمالي: بالمن، وهو خطاب لمن كان يمن على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلامه. وكله متقارب، وقول الحسن يجمعه. وفية إشارة إلى أن الكبائر تحبط الطاعات، والمعاصي تخرج عن الايمان.
الثانية: احتج علماؤنا وغيرهم بهذه الآية على أن التحلل من التطوع- صلاة كان أو صوما- بعد التلبس به لا يجوز، لان فيه إبطال العمل وقد نهى الله عنه.
وقال من أجاز ذلك- وهو الامام الشافعي وغيره-: المراد بذلك إبطال ثواب العمل المفروض، فنهى الرجل عن إحباط ثوابه. فأما ما كان نفلا فلا، لأنه ليس واجبا عليه. فإن زعموا أن اللفظ عام فالعام يجوز تخصيصه. ووجه تخصيصه أن النفل تطوع، والتطوع يقتضي تخييرا. وعن أبي العالية كانوا يرون أنه لا يضر مع الإسلام ذنب، حتى نزلت هذه الآية فخافوا الكبائر أن تحبط الأعمال.
وقال مقاتل: يقول الله تعالى إذا عصيتم الرسول فقد أبطلتم أعمالكم.


{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34)}
بين أن الاعتبار بالوفاة على الكفر يوجب الخلود في النار. وقد مضى في البقرة الكلام فيه.
وقيل: إن المراد بالآية أصحاب القليب. وحكمها عام.


{فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (35)}
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {فَلا تَهِنُوا} أي تضعفوا عن القتال. والوهن: الضعف وقد وهن الإنسان ووهنه غيره، يتعدى ولا يتعدى. قال:
إنني لست بموهون فقر ***
ووهن أيضا بالكسر وهنا أي ضعف، وقرئ: {فَما وَهَنُوا} بضم الهاء وكسرها. وقد مضى في آل عمران.
الثانية: قوله تعالى: {وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} أي الصلح. {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} أي وأنتم أعلم بالله منهم.
وقيل: وأنتم الأعلون في الحجة.
وقيل: المعنى وأنتم الغالبون لأنكم مؤمنون وإن غلبوكم في الظاهر في بعض الأحوال.
وقال قتادة: لا تكونوا أول الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها.
الثالثة: واختلف العلماء في حكمها، فقيل: إنها ناسخة لقوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها} [الأنفال: 61]، لان الله تعالى منع من الميل إلى الصلح إذا لم يكن بالمسلمين حاجة إلى الصلح.
وقيل: منسوخة بقوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها}.
وقيل: هي محكمة. والآيتان نزلتا في وقتين مختلفي الحال.
وقيل: إن قوله: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها} مخصوص في قوم بأعيانهم، والأخرى عامة. فلا يجوز مهادنة الكفار إلا عند الضرورة، وذلك إذا عجزنا عن مقاومتهم لضعف المسلمين. وقد مضى هذا المعنى مستوفى. {وَاللَّهُ مَعَكُمْ} أي بالنصر والمعونة، مثل {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69] {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ} أي لن ينقصكم، عن ابن عباس وغيره. ومنه الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه، تقول منه: وتره يتره وترا وترة. ومنه قوله عليه السلام: «من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» أي ذهب بهما. وكذلك وتره حقه أي نقصه. وقوله تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ} أي لن ينتقصكم في أعمالكم، كما تقول: دخلت البيت، وأنت تريد في البيت، قاله الجوهري. الفراء: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ} هو مشتق من الوتر وهو الفرد، فكان المعنى ولن يفردكم بغير ثواب.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11